الكثير من الساسة يتحدثون عن الحكم الرشيد، ويجعلون له ثمانية أركان، وهي: حكم القانون، والشفافية، تحمل المسئولية، بناء توافق بين المصالح المختلفة للمجتمع، المساواة بين جميع أفراد المجتمع، الفعالية والكفاءة، المساءلة والرؤية الإسترتيجية، وإن كانوا يركزون على الشفافية والمحاسبة والمساواة والحرية، إلا أن القرآن وضح معالم الحكم الرشيد، وهي على النحو التالي:
العلم الرشيد أساس أعمال الحكم الرشيد: عند النظر إلى الآيات التي توضح أن الله أوهب الحكم لبعض الصالحين من عباده وعلى رأسهم الأنبياء، نلاحظ أن الله يذكر -كذلك- هبته لهم العلم النافع والرشيد لحكمهم، وتحكم الآيات برشد حكمهم كذلك، وهذا يوجب على السياسي المسلم أن يأخذ العلم الرشيد ليقوم بمهمته، وهذا الرشد لا يأتي إلا من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فقال الله عن داوود وسليمان عليهما السلام: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا} [القصص:15]، {وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مما يشاء} [البقرة:251]، ثم تكلم عن آل إبراهيم {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء:54]، وكذلك يوسف عليه السلام {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف:101]، وكذلك ذي القرنين: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا، إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف:83-84].
بل إن الله وضح أنه أرسل الرسل ومعهم الكتب أي المنهج الرشيد ليقوم الناس بالقسط، فلا عدل ولا سعادة ولا رشد بدون إتباع سبل الأنبياء {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد:25].
¤ إدراك أركان الحكم الرشيد:
مما سبق يتضح لنا أن على السياسي المسلم التعرف على أركان وقواعد وأسس الحكم الرشيد كما وصفه القرآن الكريم، فالمتتبع لآيات القرآن الكريم يستطيع وضع يده بالتأمل والتدبر على أركان السياسة الرشيدة لكل ممارس للسياسة، حيث أن هذه الأركان لا غنى للبشرية عنها بجميع أطيافها ومعتقداتها إن أرادت السعادة والعيش الكريم، ومن هذه الأركان:
1= العمل على القيام بالقسط بين الناس بغض النظر عن ميولاتهم السياسي العقائدية أو السياسية: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطٌِ} [الحديد:25]، فالمقصود من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، أن يقوم الناس بالقسط، وفي حقوق الله وحقوق خلقه، ولنلحظ هنا كلمة الناس أي جميع الناس، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 135]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8]، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:58]، -قال العلماء: نزلت في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس حكموا بالعدل...بن تيمية ص6- وهنا نرى أن الآية تشير إلى أمر هام وهو أن إرجاع الحقوق إلى أصحابها مهمة المسئول المنوط له ذلك، وكأنها توضح لنا أن من يصلح للحكم بين الناس وسياسة أمرهم هو من يؤدِ هذه الحقوق -فإن الأئمة متفقون، على أنه لابد في المتولي، من أن يكون عدلاُ أهلاُ للشهادة – السياسة الشرعية ص27.
ولقد جعل رسولنا الكريم السلطان المقسط أحد الأصناف الثلاثة من أهل الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: «أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم، ورجل غني عفيف متصدق» رواه مسلم رقم 2865.
ولقد علمنا القرآن أن المسلم يجب أن يسير مع الحق أياً الجهة المضادة كانت: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجر:9]، فالبغي من أي طائفة كانت، من طائفة السياسي أو طائفة غيره يجب الوقوف ضدها حتى تفيئ إلى أمر الله.
2= إتباع الشورى كمنهج أصيل في العمل السياسي: فالمتدبر لآيات الله يرى أن الله ذكر الشورى في موضعين في القرآن:
الأول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران:159] وهنا جاء أمر الله في سياق المعالجة الربانية لما حدث مع المؤمنين في غزوة أحد، والمتتبع لأمر الغزوة وحيثياتها سيجول بخاطره إبتداءاً أن المشورة التي مارسها رئيس المسلمين والسياسي الأول -عليه الصلاة والسلام- مع رعيته ومن حوله هي السبب الرئيس في الهزيمة، وهذا ما يريد أن يصححه الوحي ويثبت موضوع الشورى كمبدأ ومنهج حياة وسلوك يجب أن ينتهجه كل سياسي وخصوصاً إن كان مسلماً، فالشورى لا تأتي على الأمة إلا بخير بغض النظر عما قد ينتج من السير وراء مخرجاتها، وكأن القرآن يريد أن يعلمنا أن أي نتيجة للشورى مهما كانت عواقبها تبقى أخف ضرر من الإستبداد بالرأي وتهميش عقول المجتمع ودوره لأن الشورى تتناسق مع طبيعة الإنسان التي خلقه الله عليها وهي الحرية، كما أن اتباع نهج الشورى دلالة على التوكل على الله حيث أن المسئول حين يمارس هذا النهج ويرضى بنتائجه فإنه يتوكل على الله {إِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} فيقع في محبة الله {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، ومن أحبه الله لا يشقى، لأن السير على نهج الشورى تعني بالضرورة عدم الإعتماد على القدرة العقلية للمسئول بقدر الإعتماد على رعاية الله للنتيجة والتي قد تأتي مخالفة لرأيه أحيانا لكنها تصبح ملزمة له وهذا من أصعب الأمور على النفوس أن تتبنى رأياً وتدافع عنه وتعمل على تنفيذه وهو على غير قناعاتها، فلا تجد أمامها إلا التوكل على خالقها، فحق لها إذاَ أن تدخل في محبة الله لقهرها لميولاتها والعمل بميولات غيرها وبالذات إن كانوا أقل منها مكانة ومسئولية.
الثاني: فجاء في سورة الشورى {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى:38]، حيث تأتي الآية في سياق تحديد الخالق سبحانه لصفات المؤمنين كما بدأت من الآية 36، وكانت أول صفاتهم التوكل على الله، فالتدبر في هذه الآية يشعر المؤمن بأهمية الشورى حيث هي سمة من سمات المؤمنين كسمة إقام الصلاة وكسمة الإنفاق في سبيل الله، أي أن الشورى يفترض أن تكون منهج دائم في حياة المسلم العادي وهي في حق السياسي والمسئول أوكد، كما أن الآية رفعت مكان الشورى لمرتبة أركان الإسلام حيث وضعتها بين إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله، وكأن الآية تعلمنا أن لا تمام لعبادة الصلاة والزكاة دون سلوك النهج الشوري، وإن كانت الصلاة والزكاة من أركان الإسلام، فإن الشورى من أركان السياسة الرشيدة للناس والدولة المجتمع.
يقول الشيخ الشعراوي في خواطره: هذه آية من آيات كثيرة قرنتْ بين الصلاة والزكاة، لأن بهما يستقيم حال المجتمع المؤمن، الزكاة تنازلٌ عن بعض مالك للمحتاجين فأنت إذن تضحي فيها بالمال، كذلك في الصلاة زكاةٌ أبلغ من زكاة المال، لأنك في الصلاة تُضحِّي بالوقت الذي هو مجال العمل وسبب كسب المال.
الجديد في هذه الآية في مسألة الجمع بين الصلاة والزكاة ذِكْر مسألة الشورى بينهما، والمتحدِّث بهذا هو الحق سبحانه، فلا بدَّ لنا أنْ نقف هنا ونتلمَّس الحكمة: لماذا جعل الشورى بين هذين الأمرين اللذين اجتمعا دائماً في آيات الذكر الحكيم؟
نقول: معنى أقاموا الصلاة يعني: أدَّوْهَا على أكمل وجه، وهذا يكون في جماعة المسجد، فكأنه ينتهز فرصة الإجتماع هذه ويأمرهم بأنْ يكون أمرهم شورى بينهم، والشورى لا تكون في أمر وصَّانا الله به، ولا في أمر وصَّانا به رسوله صلى الله عليه وسلم، إنما تكون في الأمور الخلافية التي لم يأت فيها نصٌّ، فيكون الحكم فيها شورى بين أهل الإختصاص كما نرى في مسألة الفتوى.
لذلك ندعو إلى أن تكون الفتوى جماعية لا فردية، فلما تتناقش الجماعة لابد أنْ يصلوا إلى الصواب، ولا مانع أن تدافع عن رأي الجماعة حتى لو كان لك رَأي مخالف... -الشعراوي.
ولقد تأمل علماؤنا هذه الآيات وربطوها بسلوك النبي عليه الصلاة والسلام فرأوا وجوب عزل الولاة الذين من لا يستشيرون أهل الدين والعلم، فقد نقل ذلك الإمام الشوكاني عن الإمام القرطبي عن ابن عطية: أنه لا خلاف في وجوب عزل من لا يستشير أهل العلم والدين -أنظر فتح القدير.
وقال الإمام الألوسي: وفي الآية مدح للتشاور لاسيما على القول بأن فيها الإخبار بالمصدر، وقد أخرج البيهقي في -شعب الإيمان- عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أراد أمراً فشاور فيه وقضى هدي لأرشد الأمور»، وأخرج عبد بن حميد والبخاري في -الأدب- وابن المنذر عن الحسن قال: ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم ثم تلا {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ} -روح المعاني للألوسي
3= يكفل حرية التعبير: إن المتدبر في آيات الشورى السابقة يدرك -كما أسلفنا- أنها يجب أن تكون منهج وثقافة المجتمع بأسره وهذه وظيفة الحاكم والمسئول، وهذا يجعلنا ندرك أنه لا شورى دون حرية إبداء للرأي، وهذه الحرية تعني إحتمال موافقة رأي المسئول أو مخالفتها. والموافقة في الرأي درجات كما أن المخالفة فيه درجات كذلك.
يقول الإمام البيضاوي في شرح {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} أن هذه الجماعة ليس فيها من ينفرد برأي، بل تتشاور، وهذا التشاور دليل فرط التدبر واليقظة في الأمور -تفسير البيضاوى، ص 488- ولقد ذكرنا قول الشعراوي -ولا مانع أن تدافع عن رأي الجماعة حتى لو كان لك رَأي مخالف-.
والمتفحص في الآيات القرآنية في العهد المدني يجد العديد منها يرد على آراء وأفكار وعقائد وسلوكيات بعض الفئات المكونة للدولة المسلمة، وهذا دليل واضح على طبيعة تعدد الآراء ووجوب التعامل معها دون تشنج إنما بالحكمة والموعظة، وهذا ما يجب أن يدركه الدعاة وخصوصاً الساسة منهم {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]، بل إن الله صنف المؤمنين لثلاثة أصناف حسب إيمانهم، وهذا بالضرورة سينعكس على آرائهم وتوجهاتهم وميولاتهم {وأورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}....الآية.
ومن الجدير الإشارة هنا لأمر يغفل عنه الكثير من الناس أن الحوار الحسن مع الآخرين المختلفين عنا فكرياً وعقائدياً هو احد الأساليب الواجب إتباعها لنشر الدعوة، مما يعني أن الداعية المسلم يجب أن تكون المحاججة الحسنة لديه سلوكاً وأصلاً وليس إستثناءا.
4= أن المسئول يجب أن يكون راجح الرأي قوي الحجة: وهذا ما يُفهم ضمناً من آياتي الشورى السابقتين، فالذي يعتمد مبدأ الشورى من الطبيعي أن يكون قوى الحجة، والعزم للأخذ بأحد الآراء بعد النظر فيها، وهذا بالضرورة يُوجِب قُدرةً كبيرة لديه في الترجيح والإستنباط الإستدلال، لأن العزم يأتي بعد الحزم والحزم يأتي بعد التمحيص والتقليب.
5= حسن إختيار المستشارين وأهل الرأي: الناظر والمتأمل والمتدبر في هذه الآيات السبع من سورة الشورى [36-39]، يجد فيها صفات مَن يُمكن مشاورته، وهي: الإيمان، التوكل على الله، إجتناب كبائر الإثم والفواحش، الصفح عن الغضب، الإستجابة لأمر الله، إقامة الصلاة، ممارسة للشورى في أمورهم -قال ابن العربى: الشورى: ألفة للجماعة، ومسبار للعقول، وسبب إلى الصواب – الطنطاوي، وذكر الشعراوي في خواطره -..ثم تأمل {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ..} [الشورى:38] ولم يقل: تشاور، فعبَّرَ بالمصدر ليؤكد أن أمرهم هو نفسه الشورى، كما تقول: رجل عادل ورجل عَدْل، فجعلته العدل ذاته، وقد ورد أن الإمام علياً رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ترد علينا أمور لا نَرَى لله فيها حكماً، ولا نرى لسنة نبيه فيها حكماً، فماذا نصنع؟ قال صلى الله عليه وسلم: «اجمعوا العباد، وإجعلوها شورى ولا تقتدوا برأي واحد...الشعراوي.
يقول الإمام الألوسي معقباً على هذه الصفات: أخرج الخطيب عن علي كرم الله وجهه قال: قلت يا رسول الله الأمر ينزل بنا بعدك لم ينزل فيه قرآن ولم يسمع منك فيه شيء قال: «اجمعوا له العابد من أمتي وإجعلوه بينكم شورى ولا تقضوه برأي واحد»، وينبغي أن يكون المستشار عاقلاً كما ينبغي أن يكون عابداً، فقد أخرج الخطيب أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً «إسترشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا».
والشورى على الوجه الذي ذكرناه من جملة أسباب صلاح الأرض ففي الحديث «إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها» وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان إفسادها للدين والدنيا أكثر من إصلاحها..الألوسي.
وتأمل فيها أبو بكر الجزائري فقال: هذه عشر صفات متى إتصف بها العبد لا يضره شيء لو عاش الدهر كله فقيراً نقيَّاً محروماً من لذيذ الطعام والشراب ومن جميل اللباس، والسكن والمركب إذ ما عند الله تعالى له خير وأبقى مع العلم أن أهل تلك الصفات سوف لا يحرمون من طيبات الحياة الدنيا هم أولى بها من غيرهم إلا أنها ليست شيئا يذكر إلى جانب ما عند الله يوم يلقونه ويعيشون في جواره...أيسر التفاسير.
المصدر: مجلـة بـدر.